الجزائر والمغرب.. صراع على "الفراغ" نتائجه سُقوط "مُؤلم" لسياستهما في ليبيا
في الوقت الذي تشتد المعارك في ليبيا بين قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، وبين ملشيات خليفة حفتر المشكلة في غالبيتها من مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية، ومن قوات تشادية، وسودانية من "الجنجويد"، بدأت بعض الدول تحصي خسائرها وأرباحها السياسية والعسكرية في ليبيا التي أصبحت منذ إسقاط نظام القذافي سنة 2011 ساحة للتجاذبات السياسية بين العديد من الدول الإقليمية والدولية.
القاهرة وأبوظبي.. البدء في عد الخسائر
إن كانت الإمارات العربية المتحدة، بقيادة ولي العهد محمد بن زايد قد خسرت كل شيء في ليبيا بدعمها المطلق للمشير المتقاعد خليفة حفتر والاستثمار فيه ماليا وسياسيا ليكون الحاكم المستقبلي لليبيا، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل خسارة ملشياته لأغلب المواقع الاستراتيجية، كان آخرها قاعدة "الوطية"، وتقدم قوات حكومة الوفاق في العديد من المحاور في اتجاه "ترهونة" آخر مقالع حفتر المحصنة، فإن مصر وكذا المغرب والجزائر من الخاسرين الكبار فيما يَحصل في ليبيا.
القاهرة، حسب العديد من التقارير الإعلامية أبدت، مؤخرا "غضبا" غير معلن اتجاه أبوظبي بسبب الدعم "المتهور" الذي تقدمه للمشير خليف حفتر دون حسابات عسكرية وجيو استراتيجية تدرك طبيعة الوقائع على الأرض.
وهو ما جعل القاهرة تبدأ في عد خسائرها في ليبيا، وتجسده فعليا في اجتماع للرئيس عبد الفتاح السيسي، على عجل قبل حوالي أسبوعين، مع زير الدفاع الفريق أول محمد زكي، والفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وقادة الأفرع الرئيسية، بمشاركة مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، لمحاولة ايجاد حلول بديلة للخسائر التي تكبدتها قوات المشير حفتر والتعامل مع الوقائع على الأرض التي تشير أن تركيا أصبحت على الحدودو المصرية، بعدما عززت تواجدها العسكري في ليبيا، وتقترب من حسم المعركة لصالح حكومة الوفاق.
وإن كانت الإمارات قد صرفت ملايير الدولارات والكثير من سمعتها دوليا في هذه الحرب التي دمرت ليبيا بعد دعمها لخليفة حفتر عسكريا وماليا وسياسيا، فإن القاهرة تجد نفسه، اليوم، أن تركيا، عدوها "الكبير" قد وضعت الكثير من "البيض" في سلة ليبيا، وأصبحت قريبة من تحقيق نصر استراتيجي كبير قد يغير واقع منطقة شمال إفريقيا لسنوات طويلة.
فتركيا التي دعمت حكومة الوفاق، وغيّرت بذلك مسار حرب حفتر على حكومة السراج التي كانت محاصرة في طرابلس، بدت قريبة من أي وقت لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والطاقية في ليبيا، لعل أولها تدعيم الاتفاق الخاص بالمجال البحري الذي عقدته مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، هذا في الوقت الذي أكد مصدر من حكومة الوفاق لموقع "الصحيفة" أن تركيا لا محالة ستعزز وجودها في قاعدة الوطنية الجوية، وجعلها قاعدة دائمة لأنقرة في منطقة شمال إفريقيا، وهو ما يعتبر حصى "مؤلمة جدا" في خاصرة القاهرة ونظام عبد الفتاح السيسي الذي خسر حرب التموقع بـ"منطق بشع" وحسابات إقليمية خاطئة.
الجزائر والمغرب.. السقوط السياسي "المؤلم" في ليبيا
وإن بدى أن خسائر أبوظبي والقاهرة كبيرة جدا ماليا وسياسيا واستراتيجيا، فإن خسائر المغرب والجزائر "فضيعة" لعل أقلها أن حلم إعادة إحياء اتحاد "المغرب العربي" قد انتهى فعليا، بعد أن أصبحت ليبيا، أو كادت تصبح خارج القواعد الجيوسياسية لدول المنطقة.
فاللاعبون الكبار في حرب ليبيا بدأوا في فرض قواعد اللعبة وفق مصالح متفق عليها مع الرابح في الحرب، وهي حكومة الوفاق حسب سير المعاركة، وهو ما يجعل من تركيا الفائز الأكبر في لعبة "الشطرنج" الليبية حيث سقوط حفتر مسألة وقت قبل أن تفرض أنقرة "لا محالة" نوعا من "الوصاية" على البلد المغاربي بعد تدعيم تموقعها العسكري والاقتصادي والسياسي فيه.
وبحكم أن الرابح في الحرب هو من يفرض القواعد، فإن أنقرة استثمرت في حكومة السراج وتترقب العوائد على خلاف المغرب والجزائر اللذان اكتفيا بدور المراقب كما هو حال الرباط طيلة الشهور الماضية، أو المبادرة لنسف اتفاق الصخيرات كما هو حال الجزائر مع نظام بوتفليقة، وبعد ذلك مع صعود عبد المجيد تبون لكرسي الرئاسة، بمساعدة الجيش.
وطيلة شهور، أظهر الرباط نوعا من التردد "الغير مُفيد" في الملف الليبي، وبدت متحفظة في الشهور الأخيرة في دعم حكومة الوفاق وانقاذ اتفاق الصخيرات الذي شُكل في المغرب بدعم أممي، هذا في الوقت الذي كانت الجزائر تستثمر ديبلوماسيتها لإفشال مُخرجات اتفاق "الصخيرات" حتى لا تعطي نصرا ديبلوماسيا للرباط في سياق صراعها التاريخي على زعامة المنطقة المغاربية.
وفي الوقت الذي بدأ موقف الجزائر يتجه نسبيا لدعم حكومة الوفاق بعد سقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة وتولي عبد المجيد تبون للحكم مع وجود قيادة جديدة على رأس الجيش بعد وفاة القايد صالح، فإن الجزائر ورغم ذلك بدت مكتفية بالتصريحات الديبلوماسية دون أيّ تحرك فعلي على الأرض أو ضغط سياسي كدولة كبيرة داخل المنطقة ولها حدود مع ليبيا.
جمود الموقف الجزائري ورجعيته في عهد عبد العزيز بوتفليقة، وعبد المجيد تبون، اتجاه ليبيا جعل حالها كما هو حال الرباط، تصبحان خارجا حسابات اللاعبين الكبار في الملف الليبي، غير أن تطورات الوضع الميداني فرض على النظام الجزائري تغيير قناعاته بعد إدراكه "متأخرا" أن هناك تهديد حقيقي وإعادة توزيع"خطير" للأدوار في المنطقة مما يهدد الأمن القومي الجزائري في لعبة مصالح وجد نظام عبد المجيد تبون نفسه خارج سياقها.
وبعد توالي أحداث المعارك في ليبيا، أصبحت الجزائر تُفصّل في أسوإ السيناريوهات التي من بينها تحقيق المشير حفتر لانتصار عسكري على حكومة الوفاق، والتحكم في مصير ليبيا، حيث سيصبح وجود الجيش المصري والإماراتي على مقربة من حدودها في أهم القواعد العسكري في ليبيا أمرا واقعا، وهو ما يعني فقدان العمق الأمني للدولة الجزائرية التي بني نظامها منذ الرئيس الراحل أحمد بن بلة على إضعاف المحيط للعب دور الزعامة في المنطقة.
هذا الخطر الذي بدأ يتشكل متأخر لدي النظام الجزائري، دفع الأخير لوضع الملف الليبي على طاولة زيارة أردوغان للجزائر، يناير الماضي، غير أن الوقائع المتلاحقة في ليبيا جعلت من كل التطمينات التي قدمها أردوغان للرئيس عبد المجيد تبون أصبحت دون قيمة مع تسارع الأحداث ودخول المعارك على الأرض في تحديد معالم من سيحكم ويتحكم في مصير ليبيا مستقلا.
المغرب.. برعونة يُصبح خارج اللعبة
بدى المغرب قبل أربع سنوات فاعلا كبيرا في الملف الليبي بعد أن جمع الفرقاء الليبيين في مدينة "الصخيرات" قرب الرباط العاصمة، حيث تم التوصل إلى اتفاق برعاية أممية أفرز حكومة السراج، والعديد من المخرجات التي لم يتم تنزيلها على أرض الواقع.
المغرب الذي لعبت ديبلوماسيته دورا كبيرا في هذا الملف وكادت تنجح في إخراج ليبيا من فوضى الحرب، تراجع إلى الخلف خلال الشهور الماضية، بشكل "مفزع" بعد التطورات على الأرض ودخول الإمارات ومصر وفرنسا وروسيا في ملعب الصراع بشكل مَكشوف، حيث بدت الديبلوماسية المغربية مُرتبكة وغير قادرة على حسم موقفها اتجاه الملف، وبدا ذلك واضحا من خلال تصريحات وزير الخارجية المغربي في العديد من المرات، وبشكل متضاربة كما استقبل في الرباط أكثر من مرة عبد الهادي لحويج "مبعوث رئيس مجلس النواب الليبي" التابعة لخليفة حفتر وهو ما اعتبر تغيير جوهري في موقف الرباط الذي كان داعما بشكل صريح لحكومة السراج.
وبدت الرباط "باردة" اتجاه حكومة الوفاق الليبي طيلة الشهور الماضية، حيث فضلت وضعية المراقب للأوضاع في ليبيا عوض الفاعل في مجريات الأحداث، وهو "البرود" الذي أفرز "خسارة جيو سياسية" كبيرة للمغرب، بعد أن أصبحت تركيا اللاعب القوي في المنطقة، في حين أن النفوذ المالي الإماراتي أصبح ضرورة لتحديد معالم أي اتفاق مستقبلي، هذا في الوقت الذي على المغرب كما هو حال مصر والجزائر عد خسائرهم السياسية ونفوذهم في المنطقة التي تعتبر عمقا أمنيا لهذه الدول الثلاث بعدما أصبحت أنقرة لاعبا رابعا فيها، وبقوة.
في خضم كل هذه التطورات يبدو أن الخلاف المغربي الجزائري على قضية الصحراء سيكلف الدولتان خسائر "مُولمة" مستقبلا بحكم التنافس "اللامنطقي" في ملفات يفترض أن تتوحد مصالحهما فيها وفق منظور تكاملي، وهي الحقيقة البعيدة حاليا عن التحقيق.
وفي غياب أي حوار وأي رغبة في فك عقدة الماضي والقواعد البالية لمفهوم المصالح والتخلص من رواسب التدافع الغير مجدي بين المغرب والجزائر في المنطقة، ما على الدولتان إلا عد الخسارة تلوى الأخرى سواء في ليبيا أو النزيف في إفريقيا وضياع العديد من الفرص الاقتصادية والسياسية لتوحيد قدرات الدولتان لصالح شعيبهما وبناء مستقبل مبني على التكامل عوض التنابز.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :